الميلاد
في بيت صغير مكون من غرفة ، في مخيم للاجئين غير معترف به من الانروا .
ولدت طفلاً ..باكياً
ولدت لاجئ...
لاجئ بلا وطن ، إلا ذاك الذي يحيا ويكبر داخل صدري الصغير؛ فالأرض ليست ارضي ولا السماء سمائي .
فقط هو المخيم كل عالمي ، حاراته المتلاصقة وبيوته التي يحسبها الرائي بيت واحداً من شدة التصاقها ، بيوت متشابكة أقيمت على عجل،مكان خيم منصوبة مؤقتة .
تحول المخيم إلى خيم من اسمنت وصفيح .
كان مخيمنا صغيراً كأيدينا ،حنونا كــ قلوب أمهاتنا ، خيالي كـ أحلامنا .كنا نظنه وطننا ، وإذا خرجنا منه شدنا الحنين إليه ...
كانت أزقته الضيقة ..شوارعنا التي نملأها عدوا وفرحاً ..
في المخيم كل شيء يشدك نحو الوطن ،صباحات الأمهات ، أمسيات الرجال ، عنفوان الشباب ، فرح الأطفال
أسماء الأبناء ، عناوين الدكاكين ،
أفراح وأحزان ساكنيه.
الخروج الأول
كان خروجنا الأول من المخيم إلى مدرسة اللاجئين التي تحيط بنا ، "مدرسة الوكالة" هذا الاسم المتعارف عليه بيننا لمدرستنا الأولى نسبة إلى وكالة هيئة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينين المعروفة اختصارا بـ "الانروا"
كانت زرقاء كسمائنا المسلوبة كبيرة كــــ بحر يافا عليها غيمتان بيضاوان خط عليهما حرفان UN
أصبحنا نعرف أننا لاجئين ووطننا سلبه اليهود منا وما نحن إلا مجرد منتظرين ليوم كبير هو يوم عودتنا كل إلى بلده وحيه وبيته.
لم تختلف مدرستنا كثيرا عن مخيمنا إلا بحجمها الكبير وساحتها الواسعة ومسجدها الذي يتطرف الساحة ومبناها بطوابقه الأربع ؛ الذي كان أعلى شيء تراه عيوننا الشاحبة .
كنا أطفال مجمعين من مخيمات شتى ، يجمعنا الفقر والحلم والفرح المبطن بدمعة .
كانت فلسطين الوطن ، تحيط بنا من كل مكان ؛ كانت خرائط على الجدران في الصفوف ، في الممرات ، في الساحات .
كانت أغاني الثورة هي زادنا اليومي ؛وأغاني أعراسنا ودبكاتنا التي تنقلنا إلى وطن لم يبق منه غير الفرح المسروق .
كنا نعيش كل لحظات الوطن كل آلامه ،كان المخيم مرآة الوطن .
في المجازر .. يتشح المخيم بالسواد تمتلئ عينا أمي بالدموع ، كانت تقول لنا "حطوا شارة سودا فوق السطح؛اليهود عملوا مجزرة"
وضعنا الكثير منها ... مجزرة الأقصى ، الحرم الإبراهيمي ،غزة ، نابلس ، جنين .
وكانت أيام الوطن أيامنا يوم الأرض الذي نترك به المدرسة فرحين للمشاركة بمسرات واعتصامات
كنا نرتبط بضفة الروح بخيط من أمل .
كبرنا وكبر اللجوء فينا ...
أصبح حلمنا بالعودة اكبر عندما نفتقد الوطن ؛ عندما نشعر بتميز ، عندما نحتاج ذاك المكان الذي يأوي أحلامنا وأفراحنا وأجسادنا بعد الموت .
أن تكون لاجئ ... هو أن يسكنك الحنين إلى مكان لم تره عيناك ولكنك تعيش فيه وتسكنك كل ذرة منه .
أن تكون لاجئ ... هو أن تعيش الحلم إلى ذاك اليوم سيصبح بحر يافا بحرك الأثير .
أن تكون لاجئ ... هو أن تعيش الفرح والحزن الإنسانيين ، أن تصبح كائن من نور ،هش وضعيف قوي وصلب
أن تكون لاجئ ... هو أن تبقى ميتاً إلى أن يأتي يوماً تحيا به من جديد
يوم العودة إلى وطن الروح ....
التقطت هذه الصورة صيف العام 1977 وتضم طلاب الاول الابتدائي (صف اخي الاكبر موفق) في مدرسة ذكور الهاشمي الشمالي الاعدادية التابعه لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين "الوكاله"، اثناء رحلة مدرسية لمنطقة قصر النويجيس الاثرية .
هناك تعليقان (2):
" لجوء"
كلنا لاجئين بس بتختلف الاقدار
يمكن المكان اللي اختاره اللاجئ الاول بالعيلة قرر ظروفه
لكن باكدلك انو احساس المخيم موجود حتى بالمدن الكبيرة
ذكرتني بايام زمان لما كنا نحط العلم الاسود بكل مجزرة
و ما اكترهم بس هلا الموضوع صار نادر او معدوم
يمكن لانو نظرة العالم للقضية اختلفت
او نظرتنا للجوء تغيرت ؟؟
لجوء
..... حلو و مر على قد مساحة المخيم
جفرا
مهما ابتعدنا عنه ومهما كبرنا يبقى المخيم يسكن بنا كنبته مصغرة عن فلسطين الام
هو الاحن والاقرب والاشد ذاكرة
يسرني تواجدك دوما
إرسال تعليق