السبت، 29 أغسطس 2009

صباح الخير أيها الحزن...انثى ترفض العيش



للحزن أوجهه. وما الحزن إلا تذكر الغياب. ومريم الشحي في روايتها الأولى ، “أنثى ترفض العيش “. تتذكر ، فتحزن ، فتكتب.
رواية أولى ، وقلم مرهف ، وطقوس كتابة داخل الكتابة. ربما تسرد سيرتها ، وفقدها، وأحلامها ، وحدودها. ربما تحاكي عوالم من قرأتهم ، ولكن لسبب أو لآخر تذكرت رواية ” صباح الخير أيها الحزن ” ، الرواية الأولى للفرنسية فرانسواز ساغان التي كانت شابة آئنذاك في الخمسينات والستينات وأثارت بروايتها تلك ضجيجاً نقديا ولامست بوجودية أجوائها أدب الكثير من شباب جيلها ومن تبعهم في ذلك الوقت ، فتحولت إلى إديث بياف الأدب الوجودي الفرنسي.
ومريم تكتب من داخل جدرانها في الإمارات. تروي حياتها وفقدها وتتماس مع الخارج عبر تواصل النت ، وعبر المونولوج الداخلي. تكتب رسالة إلى أبيها وتستفيد من تقنيات مشابهة كما حدث في رواية ” إتبعي قلبك ” الإيطالية حيث تكتب الجدة خطاباً إلى حفيدتها.
غير أن خطاب مريم – الرواية إلى أبيها هو عتاب طويل توجهه إلى الحياة والموت والتفاصيل التي عاشتها بيتم مبكر بدأ بالأم ، ثم الأب ، وأخيراً جدها الحاضن لها. ذلك اليتم الذي ذرفته كلمات على الشات والكمبيوتر باحثة عن حب تلجأ إليه عبر شخصية رجل يخاطب عوالمها ، ويعطف عليها ، ويحاول أن يحتويها. والجدير بالذكر أن روايات الكثير من الشابات والشباب أيضاً ، اليوم ، صار الكمبيوتر شخصية رئيسية ومؤثرة فيها وفي مجرى تفاصيل حياتها الشخصية والعامة ، متذكرين هنا رواية ” بنات الرياض ” ، السعودية لرجاء العالم التي كانت أول من فجر تلك الأجواء في الأدب العربي الشاب الذي يكتب اليوم.
عشرة فصول يتدفق فيها السرد لأنثى ترفض العيش ، وتبرر ذلك الرفض عبر نصها. وتستهل الرواية بإهداء إلى أمها ، ” أمي التي ظنت بأني شفيت من الكتابة … ” ، ولكأن الكتابة مرض تداوي به مريم أمراض روحها. وعبر لغة شفافة وشعرية تلجأ إلى النص النثري الشعري ، أحياناً ، تكتب مريم الشحي قصتها. الكتابة أرق من أرق ، وحاجة جسدية ماسة للتخلص من القلق والوساوس والحزن بالنسبة لها. تقول : ” أجلس خلف مكتبي ، أفترش الأوراق إستعداداً لحفلة كتابة صاخبة “. وتسرد طقوسها للتحضير لتلك الكتابة. ” آه يا أبي ! اليوم قررت أن أكتب لك أن أكتبك وقبل أن أفقد عقلي سأكتب لك “. كتابة نداء ، كتابة شكوى عرض حال ، وكتابة تشبث بما بقي من وجدان وعقل لإستعادة التوازن في الحياة. تحدثت عن عالم الأنوثة الذي تفتحت عليه ودور الأب في مساعدتها لفهم تلك المرحلة في غياب الأم. سردت طفولتها تلك وتفاصيل رعاية والدها – المعلم لها مستدفئة بحنانه وبالحرية والحوار الذي كان يغذيها به.
ترى الكاتبة العالم من حولها عدمياً رغم تفاصيله ، وجاف وموحش ، وخصوصاً بعد موت وغياب الأب. الفصول تأتي كمرثية تفصيلية للأب أكثر من أي فقد آخر. تسرد وحدتها وجدران غرفتها ومحاولتها الوصول إلى الحنان ، والعطف ، والحب عبر جهاز الكمبيوتر. تقول : ” حملتني وألقيت بي في دوامة النت كي أنسى ما يجول ببطء في داخلي من أفكار غريبة وشرير. ” تكتب تسرد كيف أنها كانت تسعى لتبكي رجلاً بحضرة آخر.
تشير مريم في روايتها إلى المكان عبر مدينة أبو ظبي بشكل خاص ، وتتذكر الشخوص الثقافية الذين أثرووا عليها وكونوا ثقافتها ومن بينهم ميسون القاسمي وفان جوخ وأحلام مستغانمي وغيرهم.
تسرد تفاصيل ما يشبه قصة حبها ولقاءاتها مع شخص عثرت عليه عبر الإنترنت إسمه خليفة ، وكيف كان يواسيها ، ويحاول أن يدخل البهجة إلى عالمها طارحاً عليها السؤال الذي تحول إلى عنوان لروايتها :
- ” نورة لماذا أنت أنثى ترفض العيش ؟ ”
وتصف الكاتبة أبو ظبي بقولها : ” أبو ظبي مدينة تهدي إليك الضياع والتيه على طبق من كهرباء ومصابيح معلقة في الهواء. ” ألا تشبه مدينها جهاز الكمبيوتر الذي تلجأ إليه فيتطابق عالمها الداخلي مع خارجها.
وتستمر تفاصيل الفقد عبر تفاصيل الوجد. تحكي عن علاقتها بجدها حمد الذي عوضها عن غياب الأب والأم. وتحكي عن أقاربها وتبحث عن مكان وشخص تتشمم منه رائحة الحنان الذي تبحث عنه. من يملأ ذلك الفراغ العاطفي الذي يتكرر في مراحل حياتها المختلفة ومن يداوي وجع تلك المرأة التي صارت ممرضة تعالج وتداوي وتسعف وجع الآخرين في المستشفيات.
كانت فرانسواز ساغان تبحث في روايتها ” صباح الخير أيها الحزن ” ، عن معنى للوجود ، ومريم الشحي في روايتها ” أنثى ترفض العيش ” تبحث عن معنى للموت وما بعده. الحزن ، والفقد ، والعدمية هو المشترك بين العمليين رغم إختلاف الزمن والكتابة.

ظبية خميس
25/8/2009

المرجع :
مريم مسعود الشحي ، أنثى ترفض العيش ،
(بيروت : دار الفارابي ، 2009).

نقلاً عن قصاصات عائمة

ليست هناك تعليقات: